الصفحة الرئيسية  قضايا و حوادث

قضايا و حوادث " باعها" مهرب هي وشقيقتيها: حكاية مؤلمة للإفريقية "جان دارك" التي تعرضت للاستعباد من قِبل أسرة تونسية لمدة ستة أشهر

نشر في  24 أكتوبر 2018  (22:38)

لم يمر على وجودها في تونس إلا خمس سنوات، لكنها عاشت خلال الأشهر الأولى منها تجربة مريرة مع الاستعباد، تصفها “بالجرح الداخلي، الذي لا يمكن أن يندمل”. إنها الشابة جان دارك، وهي مهاجرة من ساحل العاج، استطاعت بقوة شخصيتها أن تتجاوز هذه المرحلة، وتبني اليوم حياة جديدة في تونس، لكن تواجه صعوبات في تسوية وضعيتها. 

بورتريه:
“قبل أن تسخر من الآخرين، عليك أن تنظر للمرآة”، هي المقولة التي تقفز لنظر أي زبون جديد تطأ قدماه محل تصفيف الشعر “ليدي كوافور”، الخاص بالنساء، بأحد أحياء تونس العاصمة، إضافة إلى مقولات أخرى لفولتير ونيتشه علقت في أوراق بيضاء على الجدران.

وتكتفي صاحبة المحل جان دارك، الشابة القادمة من ساحل العاج منذ سنوات، بابتسامة عريضة، عندما يطلب منها أسباب اختيارها “تزيين” الجدران بهذه المقولات، قبل أن تسترسل في سرد مظاهر التمييز العنصري، بل والاستعباد الذي كانت ضحيته.

وصلت جان دارك إلى تونس قبل خمس سنوات. وهي مهاجرة شابة، تبلغ من العمر 31 عاما. تحمل طاقة كبيرة في مقاومة الصعوبات والتحلي بالشجاعة أمامها. فرغم ظروف الاستعباد التي مرت بها، استطاعت أن تتجاوز ذلك بقوة كبيرة، إلا أن ذلك ترك “جرحا غائرابداخلها، لا يمكنه أن يندمل بسهولة”، حسب تعبيرها.

هذا “الجرح سيبقى بداخلي، ولا يمكن أن أنساه”، تضيف هذه الشابة، وهي تتحدث لمهاجر نيوز عما تعرضت له من استغلال واستعباد من قبل إحدى العائلات التونسية اشتغلت لحسابها ستة أشهر عند وصولها إلى هذا البلد المغاربي، دون أن تدفع لها “ولو قرشا واحدا”.

“باعني مهرب”

“لقد باعني مهرب نيجيري لهذه العائلة في تونس العاصمة، كما باع شقيقتين لي في صفاقس عندما وصلنا إلى هنا في 2013″، تتذكر بنوع من الألم البادي على محياها. وأتت جان دارك إلى تونس في “إطار مشروع عائلي من أجل العبور إلى أوروبا”. لكنها وقعت بين يدي مهرب سلمها لهذه الأسرة التونسية من الطبقة البورجوازية بالمقابل.

“لقد سلمني للعائلة التونسية، وأخذ المال مقابل ذلك، ولم أره فيما بعد”، تستحضر جان دارك جزءا من ماضيها الأليم مع الهجرة. وفي كل مرة كانت تشتكي فيها لعائلتها في ساحل العاج كانت تدعوها للصبر، ريثما يجد المهرب الفرصة لأجل مساعدتها على العبور للضفة الأخرى. “لكن مر أسبوع وأسبوعان وشهر، وتوالت الشهور دون أن يتغير الوضع. وجدت نفسي رهينة لدى هذه الأسرة خاصة وأنها رفضت تسليمي جواز سفري”.

“كنت أقوم بكل الأشغال المنزلية من تنظيف وغسيل وغير ذلك، لكن كان بإمكاني الاستراحة والنوم”، تستعيد هذه المهاجرة سيناريو قصتها المؤلمة مع الاستعباد، لكن شقيقتها في صفاقس كانت في وضع أكثر مرارة من حالتها. “كانت تقوم بالأشغال المنزلية من الساعة الرابعة صباحا حتى الواحدة ليلا دون توقف”.

فكرت في الفرار مرارا من قبضة مشغلتها، لكنها لم تتمكن من ذلك. “في يوم من الأيام، رأيت جوازي في دولاب ربة البيت، وترددت في استعادته والهروب، لأني خفت من أن أتهم بالسرقة فيما بعد، ويلقى بي في مركز الاحتجاز”، تشير الشابة المهاجرة في حديثها لمهاجر نيوز.

يوم الخلاص الصعب

وأتى يوم الخلاص من عذاب الاستعباد بقرار من ربة البيت نفسها. “في يوم من الأيام، ألقت لي جواز سفري، وقالت لي اخرجي من البيت. الساعة كانت تشير إلى العاشرة ليلا. ولم تكن لدي أي وجهة محددة”. عارض الزوج قرار الزوجة، وتوترت الأجواء داخل المنزل، ولم يكن أمام جان دارك من خيار ثان إلا مغادرة هذا البيت، الذي اشتغلت لحساب أسرته لمدة ستة أشهر دون أن تحصل على أجرها.

من حسن حظها، أن أحد المهاجرين، كانت تحتفظ برقم هاتفه، اتصلت به لطلب المساعدة ففتح لها باب بيته. وهو اليوم رفيق حياتها. “لقد طلبت منه أن يستضيفني في انتظار العثور على عمل. كان لي مبلغ 300 دينار، احتفظت به منذ مجيئي من ساحل العاج، وهو قدر مالي ضئيل، لا يساعدني على تدبير حياتي اليومية ريثما أحصل على عمل”، تذكر هذه الشابة.

لم تلتجأ يوما للعدالة طلبا في محاسبة هذه العائلة التي استعبدتها لأشهر. لأنها تعتبر أن “القوانين موجودة في تونس، لكن لا تطبق”. إلا أنها عرضت قصتها الأليمة على مفوضية اللاجئين، لكن المنظمة اكتفت برد، قالت فيه لها: “لا توجد حرب في بلدكم، وبالتالي لا يمكن أخذ وضعيتكم بعين الاعتبار”.

بناء حياة جديدة

يبدو من كلام هذه الشابة الطموحة أنها انتقلت لمرحلة ثانية في حياتها. وتريد تحقيق أحلامها في الأعمال والتجارة. فهي اليوم تدير محل حلاقة برفقة رفيق حياتها. وتؤكد “لقد انتزعت فكرة أوروبا من ذهني، وأركز تفكيري وجهدي على تنمية مشروعي هنا في تونس”.

لا تخفي أن الأمر صعب للغاية، لأنها لا تتوفر على أوراق إقامة في تونس. وهذا لا يمنعها من تقديم شهادتها بوجه مكشوف أيضا. “أريد فضح ما أعرفه، وأتحمل مسؤولية كلامي”، ترد هذه الشابة عندما تستفسر إن كانت لا تخشى على نفسها من التوقيف والترحيل. “كان بإمكاني أن أقوم بنفس المشروع في ساحل العاج، لكن توجد الكثير من محلات الحلاقة في تخصص تطويل الشعر، فيما أن هذا غير متوفر بشكل كبير في تونس”، تفسر سر اختيارها اليوم البقاء في هذا البلد.

تركت جان دارك طفلا يبلغ من العمر اليوم ثماني سنوات وطفلة بالتبني، 12 عاما، في بلادها ساحل العاج، كلاهما ترعاهما والدتها. “أشتاق إليهما كثيرا، وحلمي أن أتمكن يوما من تسوية وضعيتي، والتمكن بنقلهما إلى هنا للعيش معي”، تخلص هذه الأم بصوت خافت، مسكون بالكثير من الشوق والحزن.

المصدر: المهاجر بريس